الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وقوله: وذكر الراغب أن العرش مما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلا بالاسم، وليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملًا له تعالى عن ذلك لا محمولًا، وليس كما قال قوم: إنه الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب. وفيه نظر، والناس في الكلام على هذه الآية ونحوها مختلفون، فمنهم من فسر العرش بالمعنى المشهور، وفسر الاستواء بالاستقرار وروي ذلك عن الكلبي ومقاتل ورواه البيهقي في كتابه الأسماء والصفات بروايات كثيرة عن جماعة من السلف وضعفها كلها. وما روي عن مالك رضي الله تعالى عنه: أنه سئل كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليًا حتى علته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم قال للسائل: وما أظنك إلا ضالًا ثم أمر به فأخرج. ليس نصًا في هذا المذهب لاحتمال أن يكون المراد من قوله: غير مجهول أنه ثابت معلوم الثبوت لا أن معناه وهو الاستقرار غير مجهول.ومن قوله: والكيف غير معقول أن كل ما هو من صفة الله تعالى لا يدرك العقل له كيفية لتعاليه عن ذلك فكف الكيف عنه مشلولة.ويدل على هذا ما جاء في رواية أخرى عن عبد الله بن وهب أن مالكًا سئل عن الاستواء فأطرق وأخذته الرحضاء ثم قال: {الرحمن عَلَى العرش استوى} كما وصف نفسه ولا يقال له: كيف وكيف عنه مرفوع إلى آخر ما قال، ثم إن هذا القول إن كان مع نفي اللوازم فالأمر فيه هين، وإن كان مع القول بها والعياذ بالله تعالى فهو ضلال وأي ضلال وجهل وأي جهل بالملك المتعال، وما أعرف ما قاله بعض العارفين الذين كانوا من تيار المعارف غارفين على لسان حال العرش موجهًا الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حين أشرقت شمسه عليه الصلاة والسلام في الملأ الأعلى فتضاءل معها كل نور وسراج كما نقله الإمام القسطلاني معرضًا بضلال مثل أهل هذا المذهب الثاني ولفظه مع حذف، ولما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى العرش تمسك بأذياله وناداه بلسان حاله يا محمد أنت في صفاء وقتك آمنا من مقتك إلى أن قال: يا محمد أنت المرسل رحمة للعالمين ولابد لي من نصيب من هذه الرحمة ونصيبي يا حبيبي أن تشهد بالبراءة مما نسبه أهل الزور إليَّ وتقوَّله أهل الغرور عليَّ، زعموا أني أسع من لا مثل له وأحيط بمن لا كيفية له يا محمد من لا حد لذاته ولا عد لصفاته كيف يكون مفتقرًا إليَّ ومحمولًا عليَّ إذا كان الرحمن اسمه والاستواء صفته وصفته متصلة بذاته كيف يتصل بي أو ينفصل عني؟ يا محمد وعزته لست بالقريب منه وصلًا ولا بالبعيد عنه فصلًا ولا بالمطيق له حملًا أوجدني منه رحمة وفضلًا ولو محقني لكان حقًا منه وعدلًا يا محمد أنا محمول قدرته ومعمول حكمته اه.وذهب المعتزلة وجماعة من المتكلمين إلى أن العرش على معناه، واستوى عنى استولى واحتجوا عليه بقوله: وخص العرش بالإخبار عنه بالاستيلاء عليه لأنه أعظم المخلوقات، ورد هذا المذهب بأن العرب لا تعرف استوى عنى استولى وإنما يقال استولى فلان على كذا إذا لم يكن في ملكه ثم ملكه واستولى عليه والله تعالى لم يزل مالكًا للأشياء كلها ومستوليًا عليها ونسب ذلك للأشعرية.وبالغ ابن القيم في ردهم ثم قال: إن لام الأشعرية كنون اليهودية وهو ليس من الدين القيم عندي. وذهب الفراء واختاره القاضي إلى أن المعنى ثم قصد إلى خلق العرش، ويبعده تعدي الاستواء بعلي، وفيه قول بأن خلق العرش بعد خلق السموات والأرض وهو كما ترى، وذهب القفال إلى أن المراد نفاذ القدرة وجريان المشيئة واستقامة الملك لكنه أخرج ذلك على الوجه الذي ألفه الناس من ملوكهم واستقر في قلوبهم، قيل: ويدل على صحة ذلك قوله سبحانه في سورة يونس (3): {ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُدَبّرُ الامر} فإن {يُدَبّرُ الامر} جرى مجرى التفسير لوقله: {استوى عَلَى العرش} وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وذكر أن القفال يفسر العرش بالملك ويقول ما يقول، واعترض بأن الله تعالى لم يزل مستقيم الملك مستويًا عليه قبل خلق السموات والأرض وهذا يقتضي أنه سبحانه لم يكن كذلك، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. وأجيب بأن الله تعالى كان قبل خلق السموات والأرض مالكها لكن لا يصح أن يقال: شبع زيد إلا بعد أكله الطعام فإذا فسر العرش بالملك صح أن يقال: إنه تعالى إنما استوى ملكه بعد خلق السموات والأرض، ومنهم من يجعل الإسناد مجازيًا ويقدر فاعلًا في الكلام أي استوى أمره ولا يضر حذف الفاعل إذا قام ما أضيف إليه مقامه، وعلى هذا لا يكون الاستواء صفة له تعالى وليس بشيء. ومن فسره بالاستيلاء أرجعه إلى صفة القدرة. ونقل البيهقي عن أبي الحسن الأشعري أن الله تعالى فعل في العرش فعلًا سماه استواء كما فعل في غيره فعلًا سماه رزقًا ونعمة وغيرهما من أفعاله سبحانه لأن ثم للتراخي وهو إنما يكون في الأفعال، وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك عن بعضهم أن استوى عنى علا ولا يراد بذلك العلو بالمسافة والتحيز والكون في المكان متمكنًا فيه ولكن يراد معنى يصح نسبته إليه سبحانه، وهو على هذا من صفات الذات. وكلمة {ثُمَّ} تعلقت بالمستوى عليه لا بالاستواء أو أنها للتفاوت في الرتبة وهو قول متين.وأنت تعلم أن المشهور من مذهب السلف في مثل ذلك تفويض المراد منه إلى الله تعالى فهم يقولون: استوى على العرش على الوجه الذي عناه سبحانه منزها عن الاستقرار والتمكن، وأن تفسير الاستواء بالاستيلاء تفسير مرذول إذ القائل به لا يسعه أن يقول كاستيلائنا بل لابد أن يقول: هو استيلاء لائق به عز وجل فليقل من أول الأمر هو استواء لائق به جل وعلا. وقد اختار ذلك السادة الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم وهو أعلم وأسلم وأحكم خلافًا لبعضهم. ولعل لنا عودة إلى هذا البحث إن شاء الله تعالى.{وَهُوَ الذي مَدَّ} أي يغطي سبحانه النهار بالليل، ولما كان المغطى يجتمع مع المغطى وجودًا وذلك لا يتصور هنا قالوا: المعنى يلبسه مكانه فيصير الجو مظلمًا بعدما كان مضيئًا فيكون التجوز في الإسناد بإسناد ما لمكان الشيء إليه ومكانه هو الجو على معنى أنه مكان للضوء الذي هو لازمه لا أنه مكان لنفس النهار لأن الزمان لا مكان له؛ وجوز أن يكون هناك استعارة بأن يجعل غشيان مكان النهار وإظلامه نزلة غشيانه للنهار نفسه فكأنه لف عليه لف الغشاء أو يشبه تغييبه له بطريانه عليه بستر اللباس للملابسة. وجوز أن يكون المعنى يغطي سبحانه الليل بالنهار، ورجح الوجه الأول بأن التغشية عنى الستر وهي أنسب بالليل من النهار. وبأنه يلزم على الثاني أن يكون الليل مفعولًا ثانيًا والنهار مفعولًا أولًا، وقد ذكر أبو حيان أن المفعولين إذا تعدى إليهما فعل وأحدهما فاعل من حيث المعنى يلزم أن يكون هو الأول منهما عندهم كما لزم ذلك في ملكت زيدًا عمرًا، ورتبة التقديم هي الموضحة لأنه الفاعل معنى كما لزم ذلك في ضرب موسى عيسى بخلاف أعطيت زيدًا درهمًا فإن تعين المفعول الأول لا يتوقف على التقديم. ورجح الثاني بأن حميد بن قيس قرأ {يغشى وَهُوَ الذى} بفتح الياء ونصب {اليل} ورفع {النهار}، ويلزم عليها أن يكون الطالب النهار والليل ملحق به. وتوافق القراءتين أولى من تخالفهما. وبأن قوله تعالى: {ءايَةً لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} [يس: 37] يعلم منه على ما قال المرزوقي أن الليل قبل النهار لأن المسلوخ منه يكون قبل المسلوخ فالنهار بالإدراك أولى، وبأن قوله سبحانه: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي محمولًا على السرعة ففعيل عنى مفعول أوفق بهذا الوجه فإن هذا الطلب من النهار أظهر، وقد قالوا: إن ضوء النهار هو الهاجم على ظلمة الليل. وأنشد بعضهم: ولبعض المتأخرين من أبيات: وحديث إن التغشية أنسب بالليل قيل: مسلم لو كان المراد بالتغشية حقيقتها لكان ليس المراد ذلك بل المراد اللحوق والإدراك وهذا أنسب بالنهار كما علمت. والقاعدة المذكورة لا تخلو عن كلام. على أنه لا يبعد على ما تقرر أن يكون الكلام من قبيل أعطيت زيدًا درهمًا. والقول بأن معنى الآية أنه سبحانه يجعل الليل أغشى بالنهار أي مبيضًا بنور الفجر بناء على ما في الصحاح من أن الأغشى من الخيل وغيره ما ابيض رأسه كله من بين جسده كالأرخم مما لا يكاد يقدم عليه، وذكر سبحانه أحد الأمرين ولم يذكرهما معًا كما في قوله تعالى: {يُولِجُ اليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي اليل}[فاطر: 13] للعلم بالآخر من المذكور لأنه يشير إليه أو لأن اللفظ يحتمله على ما قيل، وقال بعض المحققين: إن الليل والنهار عنى كل ليل ونهار وهو بتعاقب الأمثال مستمر الاستبدال فيدل على تغيير كل منهما بالآخر بأخصر عبارة من غير تكلف ومخالفة لما اشتهر من قواعد العربية.وجملة {يُغْشِى} على ما قاله ابن جنى على قراءة حميد حال من الضمير في قوله سبحانه: {ثُمَّ استوى} والعائد محذوف أي: يغشي الليل النهار بأمره أو باذنه، وقوله جل وعلا: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} بدل من {يُغْشِى} إلخ للتوكيد. وعلى قراءة الجماعة حال من {اليل} أي يغشي الليل النهار طالبًا له حثيثًا، و{حَثِيثًا} حال من الضمير في {يَطْلُبُهُ} وجوز غيره أن تكون الجملة حالا من {النهار} على تقدير قراءة حميد أيضًا. وجوز أبو البقاء الاستئناف في الجملة الأولى. وقال بعضهم: يجوز في {حَثِيثًا} أن يكون حالًا من الفاعل عنى حاثًا أو من المفعول أي محثوثًا، وأن يكون صفة مصدر محذوف أي طلبًا حثيثًا، وإنما وصف الطلب بذلك لأن تعاقب الليل والنهار على ما قال الإمام وغيره إنما يحصل بحركة الفلك الأعظم وهى أشد الحركات سرعة فإن الإنسان إذا كان في أشد عدوه قدار رفع رجله ووضعها يتحرك الفلك ثلاثة آلاف ميل وهي ألف فرسخ. واعترض بأن الفلك الأعظم إن كان هو العرش كما قالوا فحركته غير مسلمة عند جمهور المحدثين بل هم لا يسلمون حركة شيء من سائر الأفلاك أيضًا وهو الكرسي والسموات السبع بل ادعوا أن النجوم بأيدي ملائكة تسير بها حيث شاء الله تعالى وكيف شاء، وقال الشيخ الأكبر قدس سره: إنها تجري في ثخن الأفلاك جري السمك في الماء كل في فلك يسبحون، وفسر فيما نقل عنه قوله سبحانه: {وَهُوَ الذي مَدَّ} بيجعله غاشيًا له غشيان الرجل المرأة وقال: ذكر سبحانه الغشيان هنا والإيلاج في آية أخرى وهذا هو التناكح المعنوي وجعله ساريًا في جميع الموجودات، وإن صح هذا فما أصح قولهم: الليل حبلى وما ألطفه، وأمر الحث عليه ظاهر لمن ذاق عسيلة النكاح. والحاصل من هذا الغشيان عند من يقول به ما في هذا العالم من معدن ونبات وحيوان وهي المواليد الثلاث أو من الحوادث مطلقًا، ويقرب من هذا قوله: وأنت تعلم أن لا مؤثر في الوجود على الحقيقة إلا الله تعالى، ووجه ذكره سبحانه هذا بعد ذكره الاستواء على ما نقل عن القفال أنه جل شأنه لما أخبر العباد باستوائه أخبر عن استمرار أمور المخلوقات على وفق مشيئته وأراهم ذلك فيما يشاهدونه لينضم العيان إلى الخبر وتزول الشبهة من كل الجهات، ولا يخفى أن هذا قد يحسن وجهًا لذكر ذلك وما بعده بعد ذكر الاستواء وأما لذكره بخصوصه هناك دون تسخير الشمس والقمر فلا، وذكر صاحب الكشف في توجيه اختيار صاحب الكشاف هنا أن الغاشي هو النهار وفي الرعد (3) هو الليل، وتفسيره التغشية هناك بالإلباس وهنا بالإلحاق نظرًا إلى الخلاصة ما يفهم منه وجه تقديم التغشية على التسخير الآتي في هذه الآية وعكسه في آية الرعد حيث قال: والنكتة في ذلك أن تسخر الشمس والقمر ذكر هنالك من قبل في تعديد الآيات فلما فرغ ذكر إدخال الليل على النهار ليطابقه ولأنه أظهر في الآية وأن الشمس مسخرة مأمورة وههنا جاء به على أسلوب آخر تمهيدًا لقوله سبحانه: {ادعوا رَبَّكُمْ} [الأعراف: 55] أي من هذه ألطافه وآياته في شأنكم فرجح جانب اللفظ على الأصل، وللجمع بين القراءتين أيضًا اه فتدبر ولا تغفل. وقرئ {يُغْشِى} بالتشديد للدلالة على التكرار.{والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} أي خلقهن حال كونهن مذللات تابعات لتصرفه سبحانه فيهن بما يشاء غير ممتنعات عليه جل شأنه كأنهن مميزات أمرن فانقدن فتسمية ذلك أمرًا على سبيل التشبيه والاستعارة، ويصح حمل الأمر على الإرادة كما قيل أي هذه الأجرام العظيمة والمخلوقات البديعة منقادة لإرادته. ومنهم من حمل الأمر على الأمر الكلامي وقال: إنه سبحانه أمر هذه الأجرام بالسير الدائم والحركة المستمرة على الوجه المخصوص إلى حيث شاء. ولا مانع من أن يعطيها الله تعالى إدراكًا وفهمًا لذلك بل ادعى بعضهم أنها مدركة مطلقًا، وفي بعض الأخبار ما يدل على أن لبعضها إدراكًا لغير ما ذكر، وإفراد الشمس والقمر بالذكر مع دخولهما في النجوم لإظهار شرفهما عليها لما فيهما من مزيد الإشراق والنور وبسيرهما في المنازل تعرف الأوقات. وقدم الشمس على القمر رعاية للمطابقة مع ما تقدم وهي من البديع ولأنها أسنى من القمر وأسمى مكانة ومكانًا بناء على ما قيل من أنها في السماء الرابعة وأنه في السماء الأولى، وليس سلم عند المحدثين كالقول بأن نوره مستفاد من نورها لاختلاف تشكلاته على انحاء متفاوتة بحسب وضعه من الشمس في القرب والبعد عنها مع ما يلحقه من الخسوف لا لاختلاف التشكلات وحده فإنه لا يوجب الحكم بأن نور القمر مستفاد من الشمس قطعًا لجواز أن يكون نصفه مضيئًا من ذاته ونصفه مظلمًا ويدور على نفسه بحركة مساوية لحركة فلكه فإذا تحرك بعد المحاق يسيرا رأيناه هلالا ويزداد فنراه بدرًا ثم يميل نصفه المظلم شيئًا فشيئًا إلى أن يؤول إلى المحاق. وفي كونها مسخرات دلالة على أنها لا تأثير لها بنفسها في شيء أصلًا. وقرأ جميعها ابن عامر بالرفع على الابتداء والخبر.والنصب بالعطف على {السموات} والحالية كما أشرنا إليه، وجوز تقدير جعل وجعل الشمس مفعولًا أولًا و{مسخرات} مفعولًا ثانيًا.{أَلاَ لَهُ الخلق والامر} كالتذييل للكلام السابق أي أنه تعالى هو الذي خلق الأشياء ويدخل في ذلك السموات والأرض دخولًا أوليًا وهو الذي دبرها وصرفها على حسب إرادته ويدخل في ذلك ما أشير إليه بقوله سبحانه: {مسخرات بِأَمْرِهِ} [الأعراف: 54] لا أحد غيره كما يؤذن به تقديم الظرف. وفسر بعضهم الأمر هنا بالإرادة أيضًا، وفسر آخرون الأمر بما هو مقابل النهي والخلق بالمخلوق أي له تعالى المخلوقون لأنه خلقهم وله أن يأمرهم بما أراد، واستخرج سفيان بن عيينة من هذا أن كلام الله تعالى شأنه ليس خلوق فقال: إن الله تعالى فرق بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر يعني من جعل الأمر الذي هو كلامه سبحانه من جملة ما خلقه فقد كفر لأن المخلوق لا يقوم إلا خلوق مثله كذا في «تفسير الخازن» وليس بشيء كما لا يخفى. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان أن الخلق ما دون العرش والأمر ما فوق ذلك، وشاع عند بعضهم إطلاق عالم الأمر على عالم المجردات.{تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} أي تقدس وتنزه عن كل نقص ويدخل في ذلك تنزهه تعالى عن نقص في الخلق أو في الأمر دخولًا أوليًا. ففي ذلك إشارة إلى أنهما طبق الحكمة وفي غاية الكمال ولا يقال ذلك في غيره تعالى بل هو صفة خاصة به سبحانه كما في القاموس. وقال الإمام: «إن البركة لها تفسيران أحدهما البقاء والثبات والثاني كثرة الآثار الفاضلة فإن حملته على الأول فالثابت الدائم هو الله تعالى، وإن حملته على الثاني فكل الخيرات والكمالات من الله تعالى فهذا الثناء لا يليق إلا بحضرته جل وعلا». واختار الزجاج أنه من البركة عنى الكثرة من كل خير ولم يجيء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل مثلا، وقال البيضاوي: المعنى: تعالى بالوحدانية والألوهية وتعظم بالتفرد بالربوبية، وعلى هذا فهو ختام لوحظ فيه مطلعه ثم حقق الآية بما لا يخلو عن دغدغة ومخالفة لما عليه سلف الأمة.
|